[size=18]عين على الأقصى
تقرير سنوي يصدر عن مؤسسة القدس الدولية-بيروت في ذكرى إحراق المسجد الأقصى
21-8-2009
ملخص تنفيذي
تصدر مؤسسة القدس الدولية تقريراً دورياً يرصد الاعتداءات على المسجد الأقصى وتطور خطوات الاحتلال الصهيوني تجاهه، ويعدّ هذا التقرير الثالث في هذه السلسلة، وهو يوثّق الاعتداءات في الفترة بين 21/8/2008 وحتى 21/8/2009، ويحاول تناول مشروع تهويد المسجد بمقاربةٍ شاملة تناقشه من ثلاثة جوانب، فيبدأ أولاً بتطور فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى على المستوى السياسي والديني والقانونيّ، وينتقل ثانياً إلى مناقشة تفصيلية لكل أعمال الحفر والإنشاءات والمصادرة تحت المسجد وفي محيطه، ويناقش مسارها وتطورها على مدى سنوات التوثيق، ويكشف عن تفاصيلها ومراميها استناداً على أحدث ما يتوفر من معلومات، حيث يسعى الاحتلال إلى تأسيس مدينةٍ يهوديةٍ تحت المسجد وفي محيطه يكون هو في مركزها، ويخلق بنيةً تحتية متكاملة للوجود اليهودي في المسجد ومحيطه، ويتناول ثالثاً تحقيق الوجود اليهودي البشري والفعليّ داخل المسجد الأقصى، ومحاولات التدخل في إدارته، فيرصد اقتحامات وتصريحات الشخصيات الرسمية، والمتطرفين اليهود، والأجهزة الأمنية، ويستقرئ مسار ومآلات كلّ منها، ويلمس معالم تكامل الأدوار بين هذه الأطراف المتفقة على تحقيق الهدف ذاته، تقسيم المسجد بين اليهود والمسلمين في أقرب فرصةٍ ممكنة، كما يرصد المنع الدائم لترميم مرافق المسجد، وتجلياته خلال فترة التقرير، والتقييد المستمرّ لحركة موظّفي الأوقاف، الذين يُشكلون العصب التنفيذي لهذه الدائرة، بغرض شلّ عمل الدائرة ومنعها من أداء مهامّها، تمهيداً لتحجيم أعمالها وصلاحياتها، ونزع الحصرية الإسلامية عن المسجد لصالح سلطة الآثار الإسرائيلية، وأخيراً يرصد التحكم في الدخول للمسجد، ومحاولة الاحتلال تغيير قواعد السيطرة على أحد أبوابه، وتقييد حركة المصلين بحسب مناطق تواجدهم، وبحسب أعمارهم، بشكلٍ جعل عدد المصلين يهبط إلى مستوياتٍ غير مسبوقة في أيام الجمعة التي تزامنت مع العدوان على غزة، لكن أعداد المصلين تتراوح بين مدٍّ وجزر، فهي وصلت في رمضان إلى مئات الآلاف، في مؤشّرٍ عمليٍّ واضح على عجز القبضة الأمنية للاحتلال أمام الزحف البشريّ الهائل للمصلين إلى الأقصى في جمع شهر رمضان، وفي ليلة السابع والعشرين منه.
أولاً: تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى:
أ. الموقف السياسيّ:
تجاوز المشروع الصهيوني اليوم مرحلة محاولة إثبات وجود الهيكل تحت الأقصى، بعد أن فشل في إثباتِ ذلك علمياً، وأعلنت بعثاته الآثارية ذلك صراحةً، وانتقل إلى خلق هذا الوجود (أورشليم المقدّسة) من خلال مسارين أساسيّين: تثبيت "حقّ اليهود بالصلاة في جبل الهيكل"، وخلق آثار "أورشليم المقدّسة" في هذا الجبل، بغضّ النظر عن ثبوت مزاعم هذه الأحقية أو بطلانها.
لقد كان التطوّر السياسيّ الأبرز خلال الفترة التي يُغطّيها التقرير وصول زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم في دولة الاحتلال إثر انتخابات برلمانيّة فاز فيها تحالف اليمين في شهر آذار مارس من عام 2009. وتولّي نتنياهو لرئاسة الوزراء يعني عودة التبنّي السياسيّ الرسميّ والمعلن لفكرة "السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى". كما يعني منح مشروع "خلق العاصمة اليهوديّة المقدّسة" زخمًا قويًّا كون نتنياهو من أشدّ المؤيدين لهذا المشروع.
وصول نتنياهو إلى رئاسة الوزراء جاءت في ظروفٍ مؤاتية فيما يخصّ فكرة "أحقية اليهود في جبل الهيكل"، فالأجواء في دولة الاحتلال اليوم تدفع في مجملها باتجاه إنهاء مشروع بناء "المدينة اليهوديّة المقدسة" بأقرب وقتٍ ممكن، وتقسيم المسجد الأقصى وتثبيت "الأحقية اليهودية" فيه كأمرٍ واقع. يترافق ذلك مع تجاهلٍ عربيّ وإسلاميّ رسميّ وفتورٍ شعبيّ، وتراجع ٍ في قدرة الفلسطينيين على مواجهة إجراءات الاحتلال بسبب انقسامهم الداخليّ، وإهمال السلطة الفلسطينيّة لملفّ القدس.
ويتزامن ذلك كلّه مع ظهور رؤيةٍ أميركيّة جديدة تتعامل مع قضية القدس من منظور المدينة المتعدّدة أو العاصمة الدينيّة المفتوحة لجميع الأديان والتي تُسيّر مقدساتها إدارة أمميّة مشتركة، على مبدأ "السماح لأتباع الأديان الثلاثة بالوصول إلى مقدّساتهم". وقد وجد هذا الطرح الأمريكيّ من يتحمّس له على المستوى العربي الرسمي على الفور دون تقدير أبعاده ونتائجه، ونحن نعتقد أن هذا الطرح إذا ما نُفّذ فلن يُشكّل أكثر من إعادة إنتاجٍ للرؤية الإسرائيلية للقدس والمعروضة في مخطط "أورشليم أولاً" ولكن تحت مظلة الشرعيّة الدولية هذه المرّة، خصوصاً أن النظام الرسمي العربي والإسلامي عاجز عن فرض آرائه في المجتمع الدولي ببنيته الحالية في ظل حالة التشرذم والانقسام، وبالتالي فلن يكون قادرًا على فرض آرائه في الإدارة الأمّمية المشتركة للمدينة. كما نرى أن القبول بهذا الطرح سيشكّل خسارةً لنقطة القوة العربية والإسلامية الوحيدة في قضية القدس، وهي الحق العربيّ والإسلاميّ الناصع غير القابل للجدل في مدينة القدس والمؤيَّد بالقانون الدولي، علاوةً على أن محاولة فرض مثل هذه الرؤية ستكون كفيلةً بنقل الصراع على القدس من صراعٍ مع المحتلّ إلى صراعٍ مع الداخل العربي والإسلامي، خصوصاً أن هذه الرؤية جوبهت بإجماعٍ علمائيٍّ على رفضها، كما أنها غير قابلةٍ للتطبيق عملياً، وستضيع في متاهة التفاصيل.
ب. الموقف الدينيّ:
لم تعد مسألة الصلاة في "جبل الهيكل" دعوةً تحملها مجموعةٌ صغيرةٌ من الحاخامات المتموّلين من أثرياء اليهود والمسيحيين الصهاينة، فهي بعد أن كانت موضع رفضٍ مطلق عام 1967، وأصبحت موضع تأييدٍ من أقليةٍ معزولةٍ بعدها، أضحت اليوم تياراً كبيراً، حيث بدأت تتّسع جبهة المنادين بمنح اليهود "الحقّ بالصلاة في المسجد الأقصى" منذ العام 2000، وهي تواصل اليوم توسّعها، والملاحظ أنّ التغيّرات في هذا الموقف الدينيّ تلازمت دوماً مع التغيّرات التي كانت تطرأ على الموقف السياسيّ من تواجد اليهود في "جبل الهيكل".
في نهاية شهر آب/أغسطس من عام 2008 وبالتزامن مع ذكرى "خراب الهيكل" لدى اليهود شهدت الأوساط الدينيّة في دولة الاحتلال تصاعدًا جديدًا للجدل حول "حقّ اليهود في الصلاة في جبل الهيكل" بين معسكري اليهود المتديّنين غير الوطنيّين، أو غير الصهاينة "الحريديم"، وعلى رأسه الحاخامات عوفاديا يوسف، وشالوم إلياهو وحاييم كيفنسكي، واليهود المتديّنين الوطنيّن أو الصهاينة وعلى رأسه الحاخام موشيه تندلر، وذلك على أثر زيارة الأخير للمسجد الأقصى في تمّوز/يوليو 2008 في جولةٍ مصوّر ودعوته اليهود لزيارة المكان. فقد ردّ الحاخامات الثلاثة على هذه الزيارة بإرسال رسالةً إلى حاخام "الحائط الغربيّ والأماكن المقدسة" يُطالبونه فيها بتجديد المنع الدينيّ لدخول اليهود إلى المسجد الأقصى "جبل الهيكل" وجعله شاملاً لكلّ اليهود، حتى لا "تدنّس طهارة الجبل"، معتبرين أنّ دخول اليهود إلى "قدس الأقداس" وإن كان دون من قصد يُعدّ أكبر الحرمات في التشريع اليهوديّ.
وفي حين أنّ المعسكر الأوّل يملك ما يُقارب عشرين نائبًا في برلمان الاحتلال إلاّ أنّ تأثير المعسكر الثاني على الحكومة أكبر، وهو يُدير معظم شؤون "الأماكن اليهوديّة المقدّسة" في القدس أي حائط البراق والحفريات والكنس المحيطة به و"مدينة داود" وغيرها من المواقع. ويعود ذلك في نظرنا إلى كون المعسكر الثاني-المؤيّد لصلاة اليهود في "جبل الهيكل"- أكثر تنظيمًا ويتمتّع بتمويلٍ كبير من الأثرياء اليهود والمسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة، في حين أنّ المعسكر الأوّل يعتمد في تمويله على الدعم المحلي ودعم دولة الاحتلال. بعيداً عن هذا الجدل، تابعت جمعيّة "أمناء جبل الهيكل" وعدد من الجمعيّات الممثالة الأصغر حجماً نشاطها لبناء مكوّنات "الهيكل" اليهوديّ وتحضير مستلزماته وأزيائه.
وكانت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة يديعوت أحرنوت العبريّة في 30/7/2009 قاطعةً في إظهار غلبة المؤيدين لـ"إقامة الهيكل" في المجتمع الصهيونيّ اليوم، حيث ظهر تأييد حوالي 64% من سكان دولة الاحتلال لإعادة بناء "الهيكل الثالث". وقد كان اليهود المتدينون بطبيعة الحال الأكثر تأييداً لهذه الفكرة إذ بلغت نسبة المؤيدين بينهم حوالي 98,5%، فيما بلغت نسبة التأييد بين اليهود العلمانيّين حوالي 47%، أمّا بين الجمهور العام (أي الذين لا يُعرّفون أنفسهم كمتدينين أو علمانيّين) فقد بلغت النسبة حوالي 91%.
ج. الموقف القانونيّ:
فور سيطرة الاحتلال على المسجد الأقصى عام 1967، أصدر برلمانه قانوناً سُمّي بقانون "الحفاظ على الأماكن المقدّسة"، مُنع بموجبه اليهود من دخول المسجد، وقد حاولت الجماعات المتطرّفة الطعن بهذا القانون لكنها لم تُفلح. وقد بدأ الموقف القانونيّ بالتغيرّ بشكلٍ متزامن تقريبًا مع الموقفين السياسيّ والدينيّ، ففي عام 1993 أصدرت المحكمة العليا في دولة الاحتلال قراراً اعتبر أنّ "جبل الهيكل" هو أقدس مقدّسات اليهود، وهو "قلب دولة إسرائيل وجزءٌ لا يتجزّأ من أراضيها"؛ ما يعني أنّه خاضعٌ لقانونها الذي يضمن لكلّ المواطنين حريّة العبادة وحريّة الوصول للأماكن المقدّسة دون تمييز.
وقد عادت المحكمة لتؤكّد قرارها وتطوّره في 23/6/2003 عندما سمحت لليهود بزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه معتبرةً ذلك "حقاً طبيعيّاً" لهم، وأخيراً أصدرت في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر 2005 قراراً يسمح لجماعة "أمناء الهيكل" بالصلاة في المسجد الأقصى بين الساعة السابعة مساءً والتاسعة صباحاً، حين يكون عدد المصلّين المسلمين في الأقصى قليلاً.
لم تشهد الفترة التي يُغطّيها تقريرنا هذا تطوّرًا نوعيّاً على المستوى القانونيّ، فقد ظلّ الوضع القائم كما هو، فاليهود من الناحية القانونيّة مسموحٌ لهم بالدخول إلى المسجد والصلاة فيه فرادى أو في مجموعاتٍ صغيرة، وبالصلاة في مجموعاتٍ كبيرة لكن في أوقاتٍ محددة. وقد ظلّت شرطة الاحتلال تمنع المجموعات الكبيرة من الدخول وأداء طقوس صلاةٍ علنيّة في أوقات وجود المصلين المسلمين، وذلك منعًا لحدوث أيّ ردّة فعلٍ تقود المنطقة للاشتعال.
وما دام الموقف السياسي يتطوّر باتجاه توفير كل مستلزمات تثبيت "الأحقية اليهودية في جبل الهيكل"، ويرافقه ذلك تطور الموقف الديني والعمل الدؤوب للمنظمات اليهودية المتطرفة لخلق إشكالاتٍ وسوابق مع شرطة الاحتلال ترفعها للمحكمة لحملها على استصدار قراراتٍ جديدة تزيد من تثبيت حضور اليهود في المسجد، فإن تطور قرارات المحاكم تجاه التواجد اليهودي في الأقصى غير مستبعدٍ، بل يكاد يكون حتمياً.
ثانيًا: الحفريّات والبناء أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه:
أ. الحفريّات:
شهد مشروع بناء "المدينة اليهوديّة المقدّسة" في المسجد الأقصى ومحيطه في شهر شباط/فبراير 2008 تطوّراً لافتاً وغير مسبوق تمثّل بانتقال هذا المشروع من مرحلة التكتّم والتعتيم إلى مرحلة الإعلان والتبنّي شبه الرسميّ، حيث أعلن مهندس البلديّة يورام زاموش عن مخطط مخطط "القدس أوّلاً" الذي أعدّه، وقد شهد العام 2009 إعلان تفاصيل هذا المشروع، ودخول مفاعيله إلى حيّز التبني الرسمي الإسرائيلي الواضح، كما شهد بدء تطبيقها العملي. ومخطط "أورشليم أولاً" يهدف بشكلٍ رئيسٍ إلى:
• "تسريع عمليّة تطوير الحوض المقدس، وذلك بهدف خلق الجذب السياحي لعشرة ملايين زائر بالسنة، للتعريف بالتراث التاريخيّ اليهوديّ". (بناء المدينة اليهوديّة المقدسة)
• " إنشاء جسر من الثقة والعمل المشترك مع القائمين على إدارة الأوقاف الإسلاميّة والمسيحيّة بالحوض، وبالتالي إنشاء إدارة من جهاز غير منتمٍ إلى قوميّة أو اتجاه دينيّ هدفه فتح الموقع كاملاً للسياح والحجاج على اختلاف جنسيّاتهم وأديانهم". (السماح لليهود رسميًّا بالمشاركة في إدارة المسجد الأقصى والوصول إليه).
وبحسب هذا المخططّ فإنّ تنفيذ المشروع سيوكل رسميًّا إلى شركةٍ ضخمة تُنشأ باسم "القدس أوّلاً. وسيحتاج إلى مبلغٍ يُقارب 2 مليار شيكل (400 مليون دولار)، ويشمل إقامة 15 مشروعاً رئيسًا لتهويد القدس، 9 منها تستهدف المسجد الأقصى، وسيستغرق تنفيذه حوالي ستّ سنوات، أي أنّه سينتهي في عام 2014 بحسب التقديرات الأوّلية.
كما شهدت الفترة التي يُغطيها التقرير بدء العمل في 5 مواقع جديدة للحفريّات، 4 منها جنوب المسجد وواحد إلى الغرب منه، وشهدت تجهيز موقعٍ في الغرب ضمن حفريةٍ سابقة، ليُصبح بذلك عدد مواقع الحفريّات حول المسجد 25 موقعًا، 12 منها نشطة، و13 مكتملة. من الناحية الجغرافية تقع 11 حفرية منها جنوب المسجد، و13 حفرية غربه وواحدة شماله.
1. حفريّات الجهة الجنوبيّة:
تهدف الحفريّات في جنوب المسجد الأقصى إلى خلق ما يُسمّى بـ"مدينة داود"، وهي مدينةُ تمتدّ بحسب الادعاءات الصهيونيّة من مجمّع عين سلوان جنوباً وحتى أسوار المسجد الأقصى شمالاً، والجهة الرئيسة المسؤولة عن الحفريّات في جنوب المسجد هي جمعيّة "العاد" (نحو مدينة داود)، وقد شهدت الفترة التي يُغطّيها التقرير بدء العمل في 4 مواقع جديدة للحفريّات جنوب المسجد الأقصى، فيما استمرّ العمل في 3 مواقع أخرى، ليُصبح بذلك عدد مواقع الحفريّات جنوب المسجد 11 موقعًا، 7 منها نشطة و4 مكتملة.
2. حفريّات الجهة الغربيّة:
تُعدّ الجهة الغربيّة للمسجد الأقصى العصب الرئيس للمدينة اليهوديّة التي يبنيها الاحتلال تحت المسجد، ففيها تقع معظم المزارات، ومنها يمرّ الطريق الذي يصل بين جنوب هذه المدينة في سلوان وشمالها عند درب الآلام، وفيها أيضاً تقع معظم مداخل هذه المدينة، وتُعدّ جمعيّة "الحفاظ على تراث الحائط الغربيّ" المسؤول الرئيس عن الحفريّات في هذه الجهة، وفي الفترة الأخيرة بدأت جمعيّة "عطيرت كوهينيم" أيضاً تنشط في هذه الجهة.
خلال الفترة التي يُغطّيها التقرير بدأ العمل في موقعٍ واحدٍ جديد غرب المسجد كما استحدث موقعٌ آخر في أسفل الجدار الغربيّ للمسجد بترميم حفريةٍ كانت قائمة، ليُصبح بذلك مجموع مواقع الحفريّات 13 موقعاً، 4 منها نشطة و9 مكتملة. ومن أبرز حفريّات الجهة الغربيّة شبكة أنفاق الحائط الغربيّ، التي يُعتقد أنّ حفريّاتها أدت في 28/7/2009 إلى سقوط شجرة صنوبر عمرها 300 عام في المنطقة المقابلة لباب القطّانين قرب سبيل قايتباي، وإذا ما صحّ ذلك، فستكون هذه أقرب نقطة لقبّة الصخرة تصل إليها الحفريّات حتى اليوم، وبالتالي لا يُستبعد أن تصل الحفريّات فعلاً إلى أسفل قبّة الصخرة خلال الشهور القادمة.
3. حفريّات الجهة الشماليّة:
تتركّز حفريّات الجهة الشماليّة في الزاوية الشماليّة الغربيّة للمسجد الأقصى، وتحديداً في منطقة المدرسة العمريّة الملاصقة لدرب الآلام. ويدّعي الاحتلال وجود ما يُسمّى بـ"بركة القبّرة" أو العصفور تحت المدرسة العمريّة، وفي ظنّنا فإنّ الأنفاق التي تُحفر في هذه الجهة ستُشكّل المدخل الشماليّ للمدينة اليهوديّة تحت المسجد، وقد اختار الاحتلال مكان المدرسة العمريّة المطلّة على درب الآلام بالذات لوصل المدينة اليهودّية بهذا الطريق، وتوحيد الجولات السياحيّة بين المزارات المسيحيّة والمدينة اليهوديّة لتظهر كجزءٍ لا يتجزّأ من مدينة القدس، لتكريس فكرة التراث المسيحيّ – اليهوديّ المشترك للمدينة.
ب. البناء ومصادرة الأراضي في محيط المسجد:
تهدف دولة الاحتلال من خلال البناء ومصادرة الأراضي في المسجد الأقصى ومحيطه إلى إضفاء الطابع اليهوديّ على محيط الأقصى، وتعزيز الوجود اليهوديّ في المسجد من خلال اتخاذ هذه الأبنية كمراكز انطلاق لاستهداف المسجد الأقصى مثل استعمالها كمراكز للتجمّع لاقتحام المسجد، أو استخدامها للتغطية على أعمال الحفريّات، أو ا لتعزيز الوجود الأمنيّ في المسجد.
ورغم مرور أكثر من 42 عاماً على سيطرة الاحتلال الصهيونيّ على المسجد الأقصى والبلدة القديمة، إلاّ أنّه ما زال يتعامل بحذرٍ بالغ مع البناء في ساحاته ومحيطه، ويعود ذلك إلى عقدة خوفٍ من المسجد الأقصى لازمت العقل الصهيونيّ منذ أقام دولته، سبّبتها ردود الفعل الفلسطينيّة والعربية والإسلاميّة العنيفة على كلّ محاولةٍ صهيونيّة للتواجد بشكلٍ علنيّ في المسجد ومحيطه، بدءًا بثورة البراق عام 1929 وصولاً إلى انتفاضة الأقصى عام 2000. وعلى الرغم من أنّ هذا الخوف قد أخّر بالفعل عمل الصهاينة وحدّ منه إلاّ أنّه لم يمنعه بالكامل، وجدار الرّدع هذا آخذٌ بالتآكل اليوم بسبب ردود الفعل الضعيفة على الاعتداءات المتتالية وغير المسبوقة على المسجد.
1. مخطط السيطرة على الجزء الجنوبي الغربي للمسجد:
في 15/2/2004 انهار جزءٌ من الطريق الواصل بين ساحة البراق وباب المغاربة خلال عاصفةٍ ثلجيّة بفعل الحفريّات تحته والمنع المتواصل لترميمه، ومنعت سلطات الاحتلال إعادة بنائه، وأقامت مكانه جسراً خشبيًّا، ومن ثمّ شرعت في شهر شباط/فبراير 2007 بهدم الطريق تمهيداً لتوسيع المكان المخصص لصلاة النساء في ساحة البراق، وإقامة جسرٍ حديديّ مكان الجسر الخشبيّ يسمح بدخول آليّات مدرعة وعددٍ كبير من جنود الاحتلال إلى المسجد الأقصى. وقد سلمت دولة الاحتلال مشروع بناء الجسر إلى "جمعيّة الحفاظ على تراث الحائط الغربي"، التي بدأت العمل على ترميم الغرف الإسلاميّة المكتشفة لاستخدامها كمكانٍ لصلاة النساء بدلاً من هدمها، وأخيراً بناء الجسر المعلّق الذي يصل مدخل ساحة البراق بباب المغاربة.
وفي سابقةٍ تاريخيّةٍ قدّمت شخصيّات مستقلّة من فلسطينييّ الـ48 وبمبادرةٍ فرديّة التماسًا لمحكمة الاحتلال المركزيّة في القدس في 16/9/2008 لوقف أعمال الحفر والبناء في تلّة المغاربة، وهذه هي المرّة الأولى التي يتوجه فيها فلسطينيّ عربيّ لمحكمةٍ في دولة الاحتلال لحلّ نزاعٍ متعلّق بالمسجد الأقصى. وقد أبدى طيفٌ واسعٌ من المؤسّسات والشخصيّات المقدسيّة والفلسطينيّة رفضها القاطع لتقديم مثل هذا الالتماس لأنه يكرّس ولاية سلطة الاحتلال على المسجد الأقصى، ونحن بدورنا نرى في هذا الالتماس خطيئةً تاريخيةً في حقّ المسجد والأمة، وندعو أصحابه إلى سحبه بشكلٍ فوريّ.
2. مخطط السيطرة على محيط باب السلسلة غرب المسجد:
في 12/10/2008 أقامت جمعيّة "عطيرت كوهينيم" حفل افتتاحٍ رسميّ لكنيس حمام العين "خيمة إسحق" في حارة باب الواد غرب سوق القطانين، وبذلك يكون الاحتلال قد خطا خطوةً مهمّة في طريق السيطرة على محيط باب السلسلة غرب المسجد، فقد ثبّت لنفسه موطئ قدم في المكان، وأوجد مركزاً لإدارة وتنظيم نشاطات المستوطنين ضدّ الفلسطينّين القاطنين في المحيط وضدّ المسجد الأقصى المبارك، وهذا ما سيحوّل كنيس حمام العين ومحيطه إلى بؤرةً للتوتّر والاعتداءات على الفلسطينّيين وأملاكهم خلال الشهور والسنين القادمة.
3. مخطط السيطرة على مقبرة الرحمة شرق المسجد:
يُعدّ مشروع تهويد شرق المسجد الأقصى أحد أهم عناصر مخطّط "القدس أوّلاً" الذي بدأ الاحتلال العمل به في بداية هذا العام، ويسعى المحتلّ لتهويد شرقيّ المسجد من خلال السيطرة على أراضي مقبرة الرحمة الملاصقة للسور الشرقي للأقصى، وتحويلها إلى حديقةٍ توراتيّة يُطلق عليها اسم منتزه "منحدر الأسباط". وقد خطا الاحتلال خطواتٍ مهمة في هذا المشروع خلال الأعوام الماضية، وخلال الفترة التي يُغطّيها التقرير تابع الاحتلال استهدافه للمقبرة، حيث قبلت "المحكمة العليا" في دولة الاحتلال التماساً قدمته شخصيات ومؤسسات يهودية لتثبيت اعتبار مقبرة باب الرحمة حديقةً عامّة، وسمحت بإحاطة 1800م2 من المقبرة بسياجٍ لمنع دخول المسلمين ومنع حفر أيّ قبرٍ جديد في المنطقة المسيّجة، وقد بدأت سلطة الحدائق في دولة الاحتلال بالفعل بتحويل 200م2 من المنطقة المستهدفة إلى حديقةٍ عامّة.
4. مخطط لتعزيز السيطرة الأمنيّة على المسجد الأقصى: في 7/3/2009 صادقت اللجنة المحليّة للتنظيم والبناء في القدس على إقامة مركزٍ جديدٍ لشرطة الاحتلال قرب مدخل أنفاق الحائط الغربيّ في شمال ساحة البراق تبلغ مساحته 140م2، وسيكون هذا المركز عند انتهاء بنائه رابع مركز لشرطة الاحتلال في المسجد الأقصى ومحيطه.
ثالثاً: تحقيق الوجود اليهودي داخل الأقصى والتدخّل المباشر في إدارته:
أ. اقتحام المسجد الأقصى والتصريح ضدّه:
لقد شكّل اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أريئيل شارون للمسجد الأقصى في 28/9/2000 نقطةً فارقةً في التركيز الصهيوني على فكرة التواجد اليهودي المباشر داخل المسجد الأقصى، وشكّل نقطة انطلاقٍ حقيقيةٍ لتثبيت "الأحقية التاريخية اليهودية" بالتواجد في المسجد.
عملياً، بدأ العمل على تحقيق التواجد من خلال الدخول الفردي للمتطرفين اليهود للمسجد برفقةِ أفرادٍ من رجال الشرطة، وقد تكلّل هذا المسعى بالنجاح بصدور قرار "المحكمة العليا في 23/6/2003 بأحقيّة اليهود بزيارة "جبل الهيكل" والصلاة فيه. انتقل تركيز المتطرفين اليهود بعد ذلك إلى مرحلةٍ أكثر تقدمًا، فبدأت المنظمات المتطرفة تدعو إلى اقتحاماتٍ جماعيةٍ للمسجد وتنفّذُ محاولاتٍ في مجموعاتٍ تراوح عددها بين 30 و50 شخصاً، وقد توّج هذا المسعى كذلك بقرار المحكمة في تشرين الأول/أكتوبر 2005 بالسماح بأداء طقوسٍ جماعيةٍ في المسجد في الفترات التي يكون فيها عدد المصلين المسلمين في المسجد قليلاً، واليوم انتقلت المنظمات اليهودية المتطرفة إلى محاولات الاقتحام الجماعي في وقت تواجد المصلين المسلمين، أملاً في خلق سابقةٍ جديدة، وتكمل شروط "الأحقية اليهودية" في التواجد في المسجد على مدار الساعة.
هذه الجدلية بين المتطرفين والمحكمة كانت تتمُّ بدعمٍ وتأييدٍ ومشاركةٍ من شخصياتٍ رسميةٍ بارزة، وهذه الاقتحامات كانت تسعى في الوقت عينه إلى جعل التواجد اليهودي في المسجد أمراً يومياً يعتاده الناس ويدخل في دائرة "الطبيعي".
الأجهزة الأمنية بدورها، اعتبرت الأحكام القضائية الصادرة عن "المحكمة العليا" أرضيةً لتعديل مهمّتها في محيط المسجد، فأتمّت في 9/6/2005 ما أسمته "المجال الأمني" والذي يسمح لقوات الاحتلال بمراقبة كل التحركات داخل المسجد الأقصى وفي محيطه، كما أنها شكّلت وحدةً للتدخل السريع داخل المسجد وأجرَت لها مناوراتٍ متعددة.
1. اقتحامات وتصريحات الشخصيات الرسمية:
بلغ عدد اقتحامات الشخصيات الرسمية للأقصى خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير 5 اقتحامات، كان أخطرها الاقتحام الذي قام به وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال المتطرّف "إسحق أهرونوفيتش"، الذي يعدُّ من الناحية الفعلية أرفع شخصيةٍ رسمية صهيونية تقتحم المسجد بعد احتلاله حتى يومنا هذا، وثاني أهم التطورات في هذا الميدان كان اليوم الذي عُقد في برلمان الاحتلال لمناقشة ودراسة "سبل تكريس السيطرة والسيادة الإسرائيلية على جبل الهيكل".
وقد استمرّ أداء الشخصيات الرسمية تجاه المسجد الأقصى بتشكيل مظلةٍ للجهد الدؤوب للجمعيات اليهودية المتطرفة، سواء لجهة دعمها في تثبيت "الحق اليهودي في جبل الهيكل" بالممارسة العملية التي يرتفع سقفها عاماً بعد عام، أو لناحية إدخال فكرة "السيطرة على جبل الهيكل" إلى حيّز التداول الرسمي لتكون محلّ نقاشٍ وتوصية، تمهيداً لإيصالها لأن تكون موضع قرار.
2. اقتحامات وتصريحات المتطرفين اليهود:
رصد التقرير 30 اقتحاماً جماعياً نفّذها المتطرّفون اليهود، أي إن معدّل الاقتحام السنوي قد تضاعف أكثر من 4 مراتٍ مقارنةً بما رصده التقرير السابق. الاقتحامات خلال هذه الفترة تميزت بالطابع الاستفزازي المعلن، وبطولها وتتابعها على مدى ساعاتٍ طويلة، وبتركيزها على نقاطٍ جديدةٍ شمالي المسجد مثل أبواب الغوانمة وحطّة والناظر، وأنها تميل لأن تتركّز في هبّاتٍ محدّدة خلال العام، وأن نسبة ما توقفه شرطة الاحتلال منها آخذٌ بالتدني، وبالتالي فإن نسبة وقوع مواجهاتٍ خلالها بين المقتحمين اليهود والمصلين المسلمين باتت أعلى بكثير.
أمّا تصريحات المنظمات اليهودية المتطرفة تفصح عن أهدافها ونواياها بكلّ وضوح، ولا تنتهج أي مواربةٍ أو دبلوماسية، فهي تدعو إلى "تحرير جبل الهيكل من المسلمين"، وتدعو إلى "تدمير المسجد الأقصى" وتُهدّد أنها ستشعل ناراً "تحرق المدينة المقدّسة بمن فيها" إذا ما مُنعت من أداء الطقوس الجماعية في "جبل الهيكل"، والجدل يدور بشكلٍ علني بين أقطابها حول "أفضل السبل" لتحقيق الوجود اليهودي في "جبل الهيكل"، والآراء تتراوح ما بين استمرار الدعوة لهدم المسجد وبناء الهيكل على أنقاضه، أو اللجوء إلى حلٍّ أكثر قابليةٍ للتطبيق وأفضل تقديماً للمسلمين بتقسيم المسجد بينهم وبين اليهود.
3. اقتحامات وتصريحات الأجهزة الأمنية:
نفّذت قوات الاحتلال خلال الفترة التي يغطيها التقرير 8 اقتحامات، وهذا يعني أن اعتداءات الأجهزة الأمنية للاحتلال على المسجد الأقصى قد زادت بمعدّلٍ فاق الضعفين خلال الفترة التي يُغطيها التقرير مقارنةً بسنتي 2006-2008. وقد ركّزت هذه الاقتحامات على جمع أكبر كمية من الصور والبيانات البصرية عن الأجزاء المسقوفة للمسجد، وعلى منع الأنشطة المنظمة داخل المسجد، وعلى تعمّد ارتكاب ما يدنس المسجد، أو حماية وتغطية من يرتكبه.
الاتجاه الأبرز والأخطر لدى الأجهزة الأمنية كان إجراء المناورات الحية التي تمهّد لتقسيم المسجد وإغلاق ساحاته الجنوبية الغربية، حيث كانت مناورة 11-6-2009 تجربة ميدانية على إغلاق الساحات بوجود المصلّين ولساعاتٍ طويلة، وأكّدت مناورة 18-8-2009 هذا التوجّه، إذ تدربت خلالها الشرطة الإسرائيلية على تسلق الجدران الجنوبية والجنوبية الغربية للمسجد من الخارج، لاعتلاء أسقف المباني الكائنة هناك تحسباً للتدخل السريع في حال أغلق المصلون المسلمون بوابات المسجد، وهذه المناورات الأمنية تؤكّد أن قرار تقسيم المسجد بات ناضجاً لدى صانع القرار الإسرائيلي، وينتظر الفرصة المناسبة لتطبيقه في الشهور أو السنوات التالية.
ويبدو أنّ فرق الخبراء التي رافقت الاقتحامات الأمنية كانت تأخذ قياساتٍ وتجري اختبارات حول التربة والبنيان، تمهيداً لوضع مخطّطاتٍ هندسية تفصيلية لإعادة تأهيل المكان بالشكل المطروح في مخطط "أورشليم أولاً"، والذي يخطّط لجعل التسويات الجنوبية للمسجد جزءاً من المدينة اليهودية المقدّسة.
ب. التدخّل المباشر في إدارة المسجد:
تعتبر دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس، وصاحب الحق الحصري في إدارتها ورعايتها وإعمارها وتدبير كل شؤونها، وذلك بموجب القانون الدولي، الذي يعتبرها آخر سلطةٍ محليةٍ مشرفةٍ على هذه المقدّسات قبل احتلالها، وبموجب اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية الموقعة عام 1994 والمعروفة باتفاقية "وادي عربة". وكانت أوقاف القدس تتبع وزارة الأوقاف العثمانية حتى احتلال البريطانيين للمدينة، حيث أصبح المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الهيئة التي ترعى المسجد الأقصى وسائر المقدسات حتى العام 1948، وبعده انتقلت أوقاف القدس إلى عهدة وزارة الأوقاف الأردنية منذ احتلال الجزء الغربي من القدس عام 1948 وحتى يومنا هذا.
مع تصاعد التوجه الصهيوني الفكري والعملي لتحقيق "الأحقية اليهودية في جبل الهيكل"، أصبح تحجيم دور الأوقاف الإسلامية والتدخل في اختصاصاتها وصلاحياتها أمراً ضرورياً، بل حتمياً وهو يتمّ على 3 مسارات:
1. منع الترميم والتدخّل في عمل دائرة الأوقاف:
تفرض سلطات الاحتلال منذ العام 2000 حظراً شاملاً على دخول موادّ البناء والترميم، وكانت سلطات الاحتلال قد منعت الأوقاف من قبل من ترميم تلة المغاربة إلى أن انهارت بفعل الحفريات والعوامل البيئية في 15/2/2004، ومنعتها على مدى سنواتٍ من ترميم التشققات في الجدار الجنوبي الغربي، وما تزال تمنع حتى اليوم ترميم الجدار الجنوبي، أو إجراء ترميماتٍ كبرى في الساحات، الأمر الذي جعل دور الأوقاف يقتصر اليوم على إجراء التصليحات الطارئة فقط.
إن هذا المنع من الترميم يهدف إلى التسبب في عطب وانهيار مرافق المسجد، وفي إيجاد الذريعة الإعلامية لتدخّل سلطة الآثار الإسرائيلية بدعوى أن الأوقاف لاتقوم بالترميمات المناسبة التي يحتاجها المسجد، لتكسر بذلك السيطرة الحصرية للأوقاف وتدخل المسجد في نطاق صلاحيتها، وقد سبق لبلدية القدس اعتبار ساحات المسجد بمثابة "حدائق عامة" تخضع لصلاحيتها.
وقد استمرّ العمل بهذه السياسة خلال الفترة التي يغطيها التقرير، حيث منعت سلطات الاحتلال أعمال التبليط في بعض ساحات المسجد الأقصى، واعتدت على المتطوعين الذين حاولوا دخول الأقصى حاملين البلاط أو مواد البناء. علاوةً على ذلك، نفّذت سلطة الآثار التابعة لحكومة الاحتلال بنفسها أعمال الترميم والتعديل في حائط البراق، رغم أن دائرة الأوقاف سبق لها أن رمّمت هذا الحائط.
ورغم كل هذا التضييق، نجحت دائرة الأوقاف الإسلامية في 24-8-2008 بافتتاح مركز ترميم المخطوطات في المسجد الأقصى، كما أنهت أعمال الزخرفة في السقف الخشبي من الرواق الثاني في قبة المسجد القبليّ.
2. تقييد حركة موظّفي الأوقاف:
التطورات التي حصلت في الفترة التي يغطيها التقرير باتت تؤكّد وجود سياسةٍ خاصة تستهدف موظّفي الأوقاف، لكونهم الذراع التنفيذية لدائرة الأوقاف المستهدفة بتعديل نطاق صلاحياتها وإشرافها.
أخطر التطورات على هذا الصعيد، كان توقيف إمام المسجد الأقصى الشيخ علي العباسي فجر الخميس 9-7-2009، وإبعاده عن المسجد الأقصى رغم أن الشيخ العباسي يؤم المصلين في المسجد منذ سنوات طويلةٍ وله مقرٌّ دائم داخل المسجد الأقصى. علاوةً على ذلك، تركّز تقييد حركة موظفي الأوقاف خلال فترة التقرير على حرّاس المسجد، وعلى الأطقم الهندسية والفنية.
وبالنسبة للحراس، تتبع سلطات الاحتلال منذ سنوات سياسة اعتقال أو توقيف أو منع بعض حرّاس المسجد الذين يتدخلون لصدّ الاقتحامات أو لمنع المتطرفين اليهود من دخول المسجد، لتحييدهم جعلهم عبرةً لزملائهم من الحراس وقد استمرّت هذه السياسة خلال فترة التقرير إذ مُنع رئيس حراس الأقصى، محمد اسماعيل الترك، من الدخول إلى المسجد.
أما الطواقم الفنية والهندسية فتحتاج لإجراء الاختبارات وأخذ القياسات التفصيلية الداخلية والخارجية حتى تُعدّ المشروعات الهندسية التفصيلية وهذه الطواقم ممنوعةٌ اليوم بشكلٍ كامل من أخذ أية قياسات أو إجراء أية اختبارات في المحيط الخارجي للأقصى، كما أن إدخالها للأجهزة والمعدّات إلى داخله مراقبٌ بشكلٍ كامل ويتم فقط بموافقة الاحتلال. إن هذا يعني من الناحية العملية عدم تمكين الأوقاف من إعداد أية مشروعاتٍ تفصيلية لإعمار المسجد وترميمه، وسيجعلها مع مرور الزمن تظهر بمظهر العاجز عن إدارة المسجد ورعايته، وسيشكّل ذريعةً قويةً للاحتلال أمام الجهات الدولية، وبخاصة اليونيسكو، للتدخل لـ"إنقاذ" هذا الإرث الإنساني قبل أن يدمره "عجز الأوقاف"، وسيمنح سلطات الاحتلال المظلة الدولية للتدخل في إدارة المسجد.
هذه التداعيات الخطيرة لتقييد حركة الطواقم الهندسية والفنية للأوقاف تنطبق أساساً على حفريات تلة المغاربة ومشروع الجسر البديل، حيث لم يتمكّن الأردن حتى اليوم من تقديم مشروعٍ هندسيٍّ متكامل للجسر بسبب منع طواقمه الفنية من استخدام أية معدّات، أو حتى مجرّد التصوير، رغم أنها قد أجرت منذ 6-2-2007 زياتين ميدانيّتين للمكان. وقد نظرت لجنة التراث في الأونيسكو في قضية المغاربة في اجتماعيها على مدى العامين 2008-2009، وقدّم ممثل الاحتلال فيهما مشروعاتٍ متكاملة، بينما لم يتمكن الأردن من تقديم مشروعاتٍ بديلة تواجه المشروع الإسرائيلي، الأمر الذي يُهدّد باحتمال إقرار المشروع الإسرائيلي في الاجتماعات القادمة.
ورغم أن دور دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس قد تقلّص بشكلٍ دراماتيكي خلال السنوات الماضية، ورغم أن فترة التقرير شهدت ذرواتٍ غير مسبوقةٍ في تحجيم هذا الدور ونفيه بشكلٍ جعلنا اليوم نقف أمام مرحلةٍ مفصليةٍ قد تشهد كسر الحصرية الإسلامية عن المسجد، وانتزاعه من نطاق صلاحية الأوقاف الأردنية إلى غير رجعة لصالح دائرة الآثار الإسرائيلية، فإن دائرة الأوقاف ومرجعيّتها في وزارة الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية تحاشت الدخول في مواجهةٍ سياسيّة مع دولة الاحتلال حيال هذه التطوّرات الخطيرة على مستوى منعها من الترميم وتقييد حركة موظفيها، والحاجة اليوم ماسّةٌ جداً إلى تحرّكٍ سياسيٍّ فوريٍّ حازم لرفض هذه التدخلات الإسرائيلية، وحماية الحصرية الإسلامية للمسجد، وحصرية رعاية الأوقاف الأردنية له.
3. التحكّم في الدّخول للمسجد وتقييد حركة المصلّين:
من الناحية الرسمية، تعتبر دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الجهة المخوّلة بالإشراف على كامل أبواب المسجد الأقصى والمخولة بالتحكم بدخول الوافدين إليه، وهي تسيطر على مفاتيح كل أبواب المسجد الأربعة عشر باستثناء باب المغاربة، الذي يسيطر الاحتلال على مفاتيحه منذ العام 1967. يوم الثلاثاء 18-8-2009 شهد سابقةً خطيرةٍ لمحاولة تغيير قواعد السيطرة على أبواب المسجد، حيث كسرت قوات الشرطة الإسرائيلية قفل باب الناظر، في الجهة الشمالية الغربية للمسجد، وركّبت قفلاً جديداً احتفظت بمفاتيحه، لكن ردّ الأوقاف الإسلامية كان هذه المرّة استثنائياً وفورياً، حيث بادرت إلى كسر القفل الذي ركّبته الشرطة بدعمٍ من المصلين الذين تجمهروا في المكان، وركّبت قفلاً جديداً احتفظت بمفاتيحه.
وكان العام 2000 قد شهد مستجدّاً مهمّاً في التحكم بالدخول للمسجد، حيث انتقل التحكّم بدخول السياح من دائرة الأوقاف إلى يد الاحتلال وسلطة الآثار الإسرائيلية، وهذا عنى وقف قيود الحشمة واحترام قدسية المكان التي كانت تُفرض على السياح، وتقديم تاريخ المسجد لهم من وجهة النظر اليهودية التي تعتبره بناءً "طارئاً ودخيلاً" على "جبل الهيكل"، كما أنه بات يُتّخذ غطاءً لدخول مجموعاتٍ كبيرة من اليهود الذين لا يحملون الجنسيات الإسرائيلية تحت ستار السياحة.
إضافةً لذلك فإنّ الاحتلال يُسيطر على محيط المسجد بشكلٍ تامّ، وهو يفرض قيوداً خاصة على الدخول إلى البلدة القديمة من كل أبوابها، وتتمركز نقاطٌ ثابتةٌ وأخرى سيّارةٌ لشرطة الاحتلال على كل مداخل المدينة وداخلها وفي محيطها لتتولى فرض القيود على دخول المصلّين المسلمين إلى المسجد تنقسم إلى قيودٍ جغرافية، وقيودٍ عمرية.
جغرافياً، يُمنع سكان قطاع غزة، وسكان الضفة الغربية، وكل من لا يحمل بطاقةً زرقاء من سكان المناطق المحيطة بالقدس من دخول المسجد الأقصى بشكلٍ تامٍّ ، أما الفئات العمرية، فسلطات الاحتلال تمنع منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 كل من هو دون سن الـ40 عاماً من الرجال من دخول المسجد في أيام الجمعة، وهو منعٌ شهد تطوّراتٍ مهمّة خلال مطلع العام 2009 وبالتزامن مع حرب الاحتلال على غزة، حيث توسّع ليشمل أهالي الأرض المحتلة عام 1948، وارتفع سقفه العمري في بعض الأحيان إلى 55 سنة، وكانت صلاة الجمعة في9/1/2009 الأقل حضوراً في المسجد منذ عقود، إذ لم يتجاوز عدد المصلّين فيها 3,000 مصلٍّ.
وتتراوح قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى المسجد بين مدٍّ وجزر، فهي إن وصلت في أدنى حالاتها إلى 3,000 مصلٍّ فقط في صلاة الجمعة يوم 9-1-2009، إلا أنّها في رمضان بلغت أعداداً استثنائية، وشهدت ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 2008 على سبيل المثال وصول أعدادٍ تقدّر المصادر الصحفية أنها وصلت إلى 500 ألف مصلٍّ، ومردّ ذلك يعود إلى أنّ القبضة الأمنية لشرطة الاحتلال تعجز أمام الزحف الجماهيري الهائل المتوافد على المدينة وعلى البلدة القديمة من شتّى بواباتها، وهذا يُثبت، وبالتجربة العملية القاطعة، أن الزحف الجماهيري من داخل فلسطين يبقى السلاح الأفعل لحماية المسجد في ظل الواقع الحاليّ.
رابعاً: التوصيات:
أمام هذه النتائج، فإننا نؤكّد أن المؤشر الأساس الذي يحسب المحتل من خلاله تحركاته تجاه المسجد الأقصى هو حساب الربح والخسارة، وأن التمادي غير المسبوق على مختلف المستويات يعود أساساً إلى غياب ردة الفعل الفلسطينية الغاضبة التي طالما اعتاد المحتلّ عليها كلما اعتدى على الأقصى، وغياب ردود الفعل على المستوى العربي والإسلامي الرسمي والشعبي، ونؤكّد أن نجاح أو فشل المحتل في تحقيق حلم "أورشليم المقدّسة" هو أمرٌ نملكه، فتفاعلنا مع هذه القضية هو الذي سيحددّ سرعته في إنجازها، وكلما كانت تحركاتنا أكبر وأفعل وأعلى سقفاً، دفعنا بهذا الحلم إلى خارج حيّز الممكن.
ونحن على هذا الأساس نضع التوصيات التالية بين يدي كل المهتمين بالمسجد ومصيره ومستقبله، ونعلن كمؤسسةٍ مدنية مكرّسةٍ للقدس استعدادنا للتعاون مع كل من يريد العمل لحماية المسجد الأقصى ودعمه، بكل الوسائل الممكنة:
أ- توصيات للجماهير العربية والإسلامية:
إن التظاهر والتجمع والحشد الشعبي ليست وسائل عديمة الجدوى، بل هي عوامل أساسيةٌ في قراءة مؤشر الربح والخسارة لدى المحتل، وإننا ندعو كل الجهات الفاعلة إلى ردود فعلٍ عملاقةٍ حاشدةٍ منظمةٍ توجّه رسالةً واضحةً عند أي اعتداءٍ مقبلٍ على المسجد، وندعو إلى أن يكون هذا التحرّك وحدوياً خالصاً لنصرة المسجد وخالياً من كل استخدامٍ سياسيٍّ داخليّ. كما ندعو إلى العمل على المدى الطويل على رفع الوعي والمعرفة بالمسجد وأوضاعه، لأنه الضامن الوحيد للفعل والتحرّك لنصرة المسجد.
ب- توصياتٍ للجماهير الفلسطينية:
إن أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 هم خط الدفاع الأول، مع أهل القدس الصامدين فيها، الذي يتحرّك ويتفاعل مع التهديدات المحدقة بالمسجد بشكلٍ يومي، وإننا نثني على جهدهم وندعوهم إلى تكثيفه، وتكثيف المشروعات الجماهيرية لحماية المسجد، خصوصاً في الأجزاء الجنوبية الغربية قبالة باب المغاربة والغربية قبالة باب السلسلة. أما أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإننا نناشدهم أن لا يشغلهم شاغلٌ عن متابعة وضع المسجد الأقصى الذي من أجله انطلقت انتفاضتهم الثانية، وهو اليوم في وضعٍ أخطر كثيراً مما كان عليه عند انطلاق الانتفاضة.
ج- توصيات لقوى وفصائل المقاومة:
إن قوى المقاومة هي لاعبٌ أساس، إن لم تكن الأساس، في رسم توجه مؤشر الربح والخسارة لدى المحتل، وهو الذي يحدّد منهج تعامله مع المسجد، وعليه فإننا ندعو قوى المقاومة بشتى أطيافها إلى أن تمارس دورها في تحديد وجهة مؤشر الربح والخسارة. كما أننا ندعوها لتبني استراتيجية مشتركة تتجاوز التجاوب العفوي مع الأحداث، في مواجهة الصورة المنظمة المتصاعدة التي رسمناها لطبيعة التهديدات المحيطة بالمسجد. كما أنها مدعوّةٌ لتحديد موقفها من رؤية التعامل مع الأقصى كمساحةٍ مفتوحةٍ لأتباع كل الديانات، وعلى الرؤية التي تدعو إلى وصول أتباع كل الديانات إلى مقدساتهم في القدس تحت إشرافٍ أمميّ.
د- توصيات للسلطة الفلسطينية:
في مواجهةِ ما يحصل في محيط المسجد بشكلٍ متواصل، وأمام الخطورة الشديدة لما يحصل على مصير المسجد الأقصى، وأمام التبني الرسمي من قِبل حكومة الاحتلال لتحرّكات تقسيمه وتحقيق الوجود اليهودي فيه، فإننا ندعو السلطة الفلسطينية بأقوى العبارات إلى عدم التنازل عن "وقف الاعتداء على الأقصى" كشرطٍ مسبق بين يدي أي تفاوض. وأمام التصريحات التي رصدها التقرير لبعض مسؤولي السلطة باستعدادهم لنقل السيادة على القدس إلى طرفٍ ثالث، في إشارةٍ إلى قبولهم برؤية أوباما حول القدس، فإننا ندعو مسؤولي السلطة إلى مراجعة هذه الرؤية وتداعياتها بشكلٍ متأنٍّ، خصوصاً أنها من الناحية العملية ستشكّل إعادة إنتاجٍ لمخطط الاحتلال لتهويد المدينة، والمعروف بـ"أورشليم أولاً" بمظلةٍ شرعيةٍ دولية، وأن مبدأ نزع الحصرية الإسلامية عن المسجد جوبه-وسيجابه-برفضٍ إسلاميّ واسع على مستوى علماء الدين، ولن يكون مقبولاً بأي حال لدى جماهير هذه الأمة، ومحاولة فرضه لن تعدو كونها نقلاً للمعركة على القدس من معركةٍ مع المحتلّ إلى معركةٍ مع الداخل.
إلى جانب ذلك، ومع علمنا بأن الصيغة التي نشأت بموجبها السلطة تحرمها من أية قدرة على التواجد أو التأثير الفعلي في القدس، والقيود التي أضافتها الاعتقالات على تحركها في القدس، ندعو السلطة لاستحداث بدائل خلاقة للعمل في القدس حتى لو كانت بطرق غير تقليدية بمفهوم العمل الحكومي والبيروقراطي.
ه- توصيات للحكومة الأردنية:
يعمل الاحتلال اليوم بشتّى الطرق على التضييق على الأوقاف الإسلامية في القدس، ومنعها من الترميم، وتقييد حركة موظفيها بشكلٍ يمنعها من أداء عملها، ويخلق ذريعةً لدائرة الآثار الإسرائيلية للتدخل في أعمال الترميم والإعمار، وهو ما سيعني نزع الحصرية الإسلامية عن المسجد. وأمام هذا التحدّي التاريخي، فإننا ندعو الحكومة الأردنية إلى خوض غمار المواجهة السياسية مع المحتلّ، وإبداء رفضٍ حازمٍ عالي السقف لأي تقييدٍ لعمل الأوقاف، أو تدخّلٍ في عملها، والتأكيد على الرفض القاطع والنهائي لأي محاولةٍ لنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد، وأية محاولةٍ لنزع حصرية إشراف الأوقاف الأردنية عليه، وهذا جهدٌ يتطلّب توظيف كل الأدوات الدبلوماسية والمؤسساتية الممكنة.
كما أننا ندعو الحكومة الأردنية إلى احتضان الجهود الشعبية وغير الحكومية العربية والإسلامية، التي تشدّ على يديها في حماية الحصرية الإسلامية للمسجد، وفي حماية دورها والحفاظ عليه، وإلى عدم التعامل معها بروحٍ تنافسية، فهذه الجهود من شأنها أن تُسند موقف الأوقاف الأردنية وتدعمه وتكمّله، ولدى هذه المؤسسات الكثير مما تستطيع تقديمه، فهي الجهات التي تستطيع ترجمة المخزون العاطفي الهائل لدى جماهير الأمة العربية والإسلامية إلى دعمٍ حقيقي للأقصى وحُماته وأهله.
و- توصيات للحكومات العربية والإسلامية:
بناءً على المؤشرات الأولية الرسمية التي توحي باستعداد بعض المسؤولين العرب بقبول نقل السيادة على القدس إلى طرفٍ ثالث، وهو ما يوحي ضمناً بقبولهم برؤية أوباما حول القدس، فإننا ندعوهم كما دعونا مسؤولي السلطة الفلسطينية، إلى مراجعة هذه الرؤية وتداعياتها بشكلٍ متأنٍّ، خصوصاً وأنها من الناحية العملية ستشكّل إعادة إنتاجٍ لمخطط الاحتلال لتهويد القدس، والمعروف بـ"أورشليم أولاً" بمظلةٍ شرعيةٍ دولية، وأن مبدأ نزع الحصرية الإسلامية عن المسجد جوبه-وسيجابه-برفضٍ إسلاميّ واسع على مستوى علماء الدين، ولن يكون مقبولاً بأي حال لدى جماهير هذه الأمة، ومحاولة فرضه لن تعدو كونها نقلاً للمعركة على القدس من معركةٍ مع المحتلّ إلى معركةٍ مع الداخل.
كما أننا ندعو الحكومات العربية والإسلامية إلى وقف التعامل مع قضية المسجد الأقصى وكأنها مسألة داخلية فلسطينيةٌ أو أردنية، أو كأنها مسألةٌ تختص بلجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وندعوها للعمل ضمن استراتيجية واضحة ومحدّدة لحماية المسجد من مصير التقسيم بالحد الأدنى إن لم تكن قادرة على تحريره، كما ندعوها إلى دعم وإسناد الدور الذي يجب أن تضطلع به الحكومة الأردنية بصفتها الوصية على الأماكن المقدسة، وإلى تشكيل جبهةِ ضغطٍ مشتركةٍ على مختلف اللاعبين الدوليين، وعلى الاحتلال في موضوع القدس على الأقل.
ز- توصيات للهيئات والمنظمات الدولية:
تتفق الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي على موقفٍ واضحٍ من المسجد والأحقية التاريخية العربية الإسلامية فيه، وتشكل كل منهما مكاتب أو هيئاتٍ يفترض أن تتولى مسؤولية دعم القدس والمقدسات، وبخاصة منظمة المؤتمر الإسلامي التي قامت على أثر إحراق المسجد الأقصى عام 1969، وتنبثق عنها لجنة القدس التي يفترض أن تقود تحركاً رسمياً منهجياً لحماية القدس، بناءً على ذلك فإننا ندعو إلى عملٍ مشتركٍ وفعال بين المنظمتين، وإلى ممارسة لجنة القدس لدورها المفترض مستثمرةً القرارات الدولية التي تؤكد الأحقية التاريخية في القدس وفي الأقصى في مختلف المؤسسات الدولية. كما أننا بعد التذكير بأهم قرارات مجلس الأمن المتعلقة